بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. سيدنا ومولانا محمد أعظم العظماء بشهادة المنصفين من غير المسلمين. ونستفتح بالله وهو خير الفاتحين. ثم أما بعد،،،
مقدمة:
إن شخصية رسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عظيمة، ظلت حتى الآن مسار إعجاب واهتمام كل العالم. وقد ظل بعد مماته وحتى يومنا هذا مسار هجوم شرس من مجموعة مجرمين يدعون لنفسهم العقل والمنطق وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، وقد كان من هؤلاء الصحافيون الدنمركيون عليهم من الله ما يستحقون.
وعلى الرغم من الدعوات لمقاطعة منتجاتهم ـ والتي أنا معها ـ إلا أنه كان لزامًا علينا نحن المسلمين أن نوضح صورته الحقيقية بالأساليب العلمية والمنهجية حتى نكون منصفين مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع سفيه أن ينكر هذا الكلام مهما كان.
ملامح الشخصية المحمدية:
سندرس بعض جوانب هذه الشخصية العظيمة ـ إن شاء الله ـ من جانبين:
الأول: من خلال سيرته.
الثاني: من خلال أحاديثه.
شخصية النبي من خلال السيرة النبوية:
إن الدارس لهذه الشخصية العظيمة سواء كان عدوًا منصفًا أو متبعًا صادقًا يعجب بهذه الشخصية العظيمة ويرى فيها نموذجًا عظيمًا للكمال البشري الذي يكون هو القدوة للبشرية كلها. فنرى في شخصه الأمانة والحكمة والعظمة في الترفع عن الدنيا ـ على الرغم من أنها كانت له بكل زخرفها وزينتها ـ وكذلك المعنى الحقيقي لراجحة العقل.
والصورة الحقيقية لشخصه الكريم نراها من خلال الآخرين. فقبل البعثة ـ وهي الفترة التي كانت فيها قريش ليس بينها وبينه أحقاد ـ قالت قريش كلمة الحق عندما لقبته بالصادق الأمين. كما كانت قريش على ثقة برجاحة عقله في أصعب لحظاتها، وذلك عندما تنازعت القبائل على من ينال شرف حمل الحجر الأسود، فحكموه بينهم وكان حكمه لهم في غاية العبقرية عندما وضع الحجر في رداء بحيث يحمل كل زعيم طرف الثوب وانتهى الأمر بأن وضعه بيده الشريفة في موضوعه، فكانت قمة العبقرية منه لأن بهذا الحل لم يحرم من شرف حمله أحدًا.
وقد كان رحيمًا ذا قلب صافٍ خالٍ من الأحقاد ويتمثل هذا الأمر في أعظم صوره عندما دخل مكة منتصرًا في عام الفتح سنة 8هـ، وذلك بعد أن خانوه وأخرجوه إلا إنه قال لهم: ((ماذا تظنون أني فاعلاً بكم؟)) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال لهم: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)). فمن هو الغازي في أي عصر وأي زمان من يسامح أعداءه الذين ظلموه إلا إذا كان محمدًا أو أتباعه.
وسنقف عند أسلوب الدعوة ومنهاجيتها، فقد برزت فيها العقلية المحمدية بوضوح كما برزت في غيرها, كما برزت فيها أيضًا قوة العزم للنبي حيث ظل على حال مجاهدة من بعثته حتى وفاته. فبدأ الأمر الإلهي لسيدنا محمد بالدعوة للإسلام ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وكانت دعوة على العموم فبدأها سرًا حتى يجمع بها الأتباع، فقد تبعه في تلك الفترة أهم الشخصيات التي أثرت في الإسلام تأثيرًا كبيرًا منهم على سبيل المثال: الزوجة الوفية السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، والصديق أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، وكما هو معلوم فقد أسلم على يديه شخصيات كبيرة في الإسلام مثل: عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان. ثم جاء الأمر الإلهي لسيدنا محمد بالجهر بالدعوة ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ فمرت المرحلة الجهرية بثلاث مراحل مهمة رأينا فيها عزم النبي عليه الصلاة والسلام شديدًا جدًا على الرغم من الأذى الشديد بعد الجهر بالدعوة وهذه المراحل:
1- دعوة أهل مكة إلى الإسلام: فبدأ بالدعوة قومه من بني عبد المطلب؛ لأنهم كان الأقرب إليه في النسب فلم يسمعوا لدعوته، ثم دعا قريشًا كلها فما كان من قريش سوى العناد؛ لأن النبي بدعوته السمحة يهدم صرحًا اقتصاديًا يدر دخلاً على قريش من هذه العبادة.
2- وكعادة أولي العزم من الرسل الذين لا يصبهم الكلل ولا الملل في سبيل نشر دين الله، اتجه سيدنا محمد بالدعوة إلى خارج مكة فاتجه إلى ثقيف والتي كانت من أكبر القبائل بعد قريش وقد ردت دعوته بأحط الوسائل وأشعنها وأشدها إيذاءً للنبي حتى لا تفقد مصالحها مع قريش.
3- وبعد صراع المصالح اتجه النبي أخيرًا لدعوة الحجاج في موسم الحج، وقد ظلت قريش تصد الحجاج عن السماع له حتى أكرمه الله بأهل يثرب للسماع والإيمان به، وقد كانت بيعة العقبة الأولى والثانية وانتهى الأمر بالهجرة المباركة إلى يثرب والتي تعتبر نموذجًا عظيمًا لحسن التدبير المحمدي والتي سيكون لنا معها وفقه إن شاء الله.
إن ما سبق ذكره ليس جميع الصور والصفات لشخصه الكريم، بل هي صورة صغيرة من شخصه الكبير.
شخصية النبي من خلال أحاديثه:
ومحاولة منا لكي نكمل الصورة عن شخصه فهاهي بين أيديكم نماذج صغيرة من أحاديثه الثابتة صحتها والتي يدعو فيها أتباعه إلى صفات كثيرة، منها على سبيل المثال مكارم الأخلاق والكلمة الطبية. فعن حسن الخلق، من حديث أبي ثعلبة الخشني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقًا، وإنأحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقًا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون)) وفي موضع آخر يؤكد فيه نفس المعنى السابق من حديث أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا في الدنيا)).
ونراه يبيّن أهمية الكلمة الطبية عن عدي قال: قال رسول الله: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)). ونراه في موضوع آخر يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ... إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن بلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)).
وكذلك عندما يحث على العدل فيقول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلن: ((ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور)). فنحن نراه وهو في كل موضع يعلم فيه أصحابه وأتباعه يحثهم على مكارم الأخلاق وعظم شأنها. فكما قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالأخلاق دومًا من أساس الإسلام.
أسلوب الكفار في الهجوم على النبي الكريم:
إن نوعية الهجوم على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من تعاقب القرون إلا أنها في جوهرها شكل واحد. ففي العصر النبوي كان الهجوم على شخصه الكريم بما يناقض تصرفاتهم معه. فكذبوه بعد أن لقبوه بالصادق الأمين ولم تكن لهم أي حجه في هذا. ونرى اليوم وبعد أن تعلمنا جميعًا الأسلوب العلمي في التفكير والحكم على الأمور نراهم يُلغون كل التقدم هذا ويستندون إلى تلك الأكاذيب التي لا تستند إلى أي عقل أو منطق أو بحث منظم في سيرته تمامًا كما كان يفعل كفار قريش.
أقوال الغرب المنصفين في شخصية سيدنا محمد:
ولكم كل الحق أيها الغربيون وغير المسلمين عمومًا أن تتهمونا بالانحياز لشخصه عليه الصلاة والسلام كوني شرفت بأن أكون من أتباعه، ولكن كما يقال: "الحق ما شهد به الأعداء" فهؤلاء هم من مارسوا المنهجية التي تحدثنا عنها وكانت هذه آراءهم.
1ـ مهاتما غاندي: "أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة".
2ـ راما كريشنا راو: "لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً".
3ـ ساروجنى ندو شاعرة الهند: "يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما يُنادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنبًا إلى جنب اعترافًا بأن الله أكبر.. ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر".
4ـ المفكر الفرنسي لامرتين: "إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيًّا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ.
ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة. لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي صلى الله عليه وسلم موجهًا بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته صلى الله عليه وسلم وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء العقيدة.. فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم. بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
5ـ مونتجومري: إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدًا وقائدًا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدًا مدع، افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد. ـ بوسورث سميث: لقد كان محمد قائدًا سياسيًا وزعيمًا دينيًا في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
وهناك أقوال كثيرة غير هذا توضح مدى جهل الحاقدين الذين يسبون النبي ويهاجمونه. فكيف بعد هذه الآراء اتهم أنا كاتب المقال بمجرد التحيز لرسولي ومعلمي؟ فها هم من شهدتم لهم أنتم بالعظمة والرفعة يقولون ما أقول. وذلك يرجع لكونهم درسوا السيرة بمنهج علمي ولم يفكروا أبدًا وهم في رحلتهم في تلك الأحقاد والضغائن التي تفرضها العقائد غير المسلمة على أتباعهم.
وفي النهاية أدعو كل الحاقدين أن نجتمع معًا لنعلنها أن لعنة الله على الظالمين